أحمد ومريم وهاني ووفاء... طلاب جامعيون مثل آلاف غيرهم، حملوا حقائب السفر بعد أن "رفعوا رؤوس" أهلهم وذويهم بحصولهم على الشهادة الثانوية العامة ليشقوا طريقهم إلى الجامعة.
لكن هؤلاء الطلاب مالبثوا أن ألقوا بكتب الجامعة جانباً للبحث عن فرصة عمل "تضمن المستقبل المهني" على حد قولهم، أو تؤمن لهم قوت يومهم كما أشار بعضهم الأخر.
"سرقتني وظيفتي"
أحمد, هو أحد الشبان الذي لطالما حلم بالوصول إلى دمشق لدراسة الإعلام لعدم وجود قسم للإعلام في محافظته, وقال "بعد شهر من وصولي إلى دمشق أجبرتني الظروف على إلقاء الكتب جانبا، و بدأت رحلة طويلة للبحث عن عمل".
ومريم، لا يختلف حالها عن سابقها, وتقول "أجبرتني علامة واحدة في المفاضلة على ترك محافظتي والتوجه لدمشق لدراسة علم الاجتماع، ونظرا لمعرفتي بظروف أهلي العصيبة بدأت بالعمل في إحدى الشركات التجارية بدمشق، وسرعان ما سرقتني وظيفتي من الدراسة بسبب ضغط العمل واضطراري للتغيب عن معظم المحاضرات".
وكانت دراسة سورية حديثة أعدتها هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة, أظهرت أن أكثر من نصف الشباب الجامعي يهملون دراستهم ولا يتحدثون مع أهاليهم إلا بموضوعات العمل ومشاكل المنزل.
ضغوط مالية
وإذا كان حال الطلاب الذين يعملون أثناء الدراسة هو إهمال دراستهم، فان حال الذين يبحثون عن عمل أشد سوءا، فهم عالقون بين هاجس البحث عن عمل والضغوط المادية والدراسية التي ترافقهم بحسب ما قال بعضهم.
وعبر جميع من التقيناهم من الطلاب عن استعدادهم للعمل بأي فرصة كانت، ولو على حساب دراستهم معللين ذلك بالضغوط المادية الكبيرة التي تثقل كاهلهم.
وقال ماهر, طالب طب أسنان, "قدمت إلى دمشق من محافظة دير الزور لأدرس طب الأسنان حيث كنت من الأوائل على المحافظة، وبعد فترة اكتشفت أن دراستي تتطلب مصاريف إضافية، وخاصة في دروس العملي التي تتطلب موادا نقوم بشرائها وتطبيقها في المختبر بشكل عملي".
وأضاف "لكن ظروفي الأسرية لا تسمح لي بمزيد من المصاريف مما اضطرني للبحث عن عمل، لكنني لم أجد العمل المناسب، الأمر الذي انعكس سلبا على نتائجي الدراسية".
وربط كثير من الطلاب بين اضطرارهم إلى العمل وزيادة التكاليف المعيشية, وخاصة بعد رفع سعر المازوت, ورفع أجور النقل والسكن وأسعار المواد الغذائية.
وقال حذيفة, الطالب في كلية الشريعة, لسيريانيوز "يرسل لي أهلي مبلغ 2000 ليرة شهريا وهو مبلغ مخصص لأجر الغرفة التي اقطنها، فيما أتكفل أنا بالعمل لتأمين مصروفي الشخصي ومتطلبات الجامعة".
وتابع "بعد غلاء المازوت العام الماضي ازدادت أسعار كل شيء، من المسكن والنقل إلى البندورة والخيار، وزاد الطين بلة عدم تمكني من إيجاد عمل، مما اضطرني إلى العودة لبيت أهلي والحضور إلى الجامعة في أوقات الامتحانات فقط".
عامل تنظيف وبائع أحذية
أما مصطفى, طالب الحقوق, فتحدث لسيريانيوز عن عمله الذي وجده بعد عناء, وقال "بعد جهد كبير وفقت بعمل عبر إعلان في جريدة إعلانية للعمل بمجال التنظيف، ورغم ترددي بالبداية للعمل في هذا المجال, إلا أنني وجدت نفسي مجبرا على ذلك لأن الضغوط المادية حاصرتني من كل جانب".
وأضاف "أعمل يوميا بمعدل 12 ساعة، وأعود متعبا لغرفتي في السكن الجامعي، و أحاول دوما أن أخفي عن رفاقي مجال عملي الذي يتمثل بتنظيف الواجهات الزجاجية للمحلات، لأن هذا العمل محرج ولا يليق بطالب الجامعة، ولا أزال مستمرا بهذا العمل منذ ستة أشهر، رغم أنه يصرفني عن دراستي".
من جهته, قال باسل، طالب صحافة, "أعمل الآن بائع أحذية في منطقة الصالحية, من التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء, ولا أصل لبيتي حتى العاشرة، وبالتالي فإنني أتغيب عن جميع محاضراتي وأعود متعبا من العمل وأنام فورا".
وتابع "لا يوجد لدي عطلة أبدا، وقد حاولت جاهدا البحث عن عمل في شركة أو مكتب تجاري بدوام إداري أو جزئي ولكنني لم أفلح في ذلك، لأن أرباب العمل لا يطلبون إلا الإناث، واضطررت للعمل في مجال البناء لتأمين قوت يومي، وعندما سنحت لي الفرصة في العمل كبائع أحذية لم أتردد وقبلت مباشرة".
وأضاف "لا أشعر أنني طالب في الجامعة الا عندما أذهب وأزور أهلي في محافظة حماه أثناء الأعياد والإجازات حيث يسألونني عن الجامعة وأخبارها، وما إن أعود لدراستي (عملي) يغيب كل شيء عني حتى أنني صرت أحن للدوام في الجامعة".