نحو 80 % من الشباب السوريين يفضِّلون
الوظيفة الحكومية حسب استبيان أجراه اتحاد شبيبة الثورة في سورية، بل إنَّ
معظم طلاب الجامعات السورية يراودهم حلم الوظيفة الثابتة بعد التخرُّج،
ضماناً لمستقبلهم المهني والاجتماعي، لكن ما هي نسبة الشباب السوري الذي
يسعى إلى ابتكار أفكار جديدة وطرق أفضل للقيام بمشاريعه الخاصة وأعماله
الناشئة؟.
ضمن فعاليات اليوم الوطني للريادة، الذي
بادرت الجمعية السورية لرواد الأعمال الشباب "سيا" إلى إطلاقه =في
13/1/2009، وبالتعاون مع المنتدى الاجتماعي، كانت محاضرة "تاريخ الريادة
في سورية" بإدارة الدكتور سامي مبيض، الباحث المتخصِّص في تاريخ سورية
الحديث.
الرواد أناس "حسبوها صح"!
اعتبر عبد السلام هيكل، رئيس جمعية رواد الأعمال الشباب "سيا" أنَّ رواد
الأعمال "أناس أتقنوا فن البداية، بل واقترفوا فعل البداية، فلا خواتيم من
دون بدايات، ولا بداية من دون جرأة، فقد قرنت الهيبة بالخيبة"، معتبراً
أنَّ الريادي "هو مَن يرى بذرة فقط ولكنه يرسم شجرة، وفي الشجرة الحياة
والأوكسجين والخضرة والأزهار والثمار والبذار، وفي كلِّ بذرة بداية لشجرة
جديدة..".
وقال هيكل: "إذا كانت الدول تسعى إلى الاكتفاء الذاتي الزراعي أو الصناعي،
خاصة بالمواد الأساسية في السابق، فإنَّ الاكتفاء الذاتي اليوم يتجسَّد في
صنع أكبر عدد من الأفراد المكتفين ذاتياً، في اقتصاد سليم يعتمد على
المبادرات الخاصة من رواد الأعمال، يعملون ضمن إطار عام تحدِّده إمكانات
البلد وميزاتها التفضيلية واحتياجاتها".
وحول التحرُّر والاستقلال عن الغير قال هيكل: "التحرُّر والاستقلال من
الاعتماد على الغير لتأمين المعيشة- سواء كان الغير حكومة أم والداً أم
قريباً أم صديقاً- يلهمان رواد الأعمال ويعزِّزان من قوتهم وإمكاناتهم
لتحقيق إنجازات عظيمة، فيكونون بذلك نموذجاً للنجاح يعزِّز الانتماء إلى
وطن مزدهر بدل أن يهجروه".
وحثَّ هيكل الشباب على أن يحجزوا مكاناً لهم في قطار التطور العالمي،
وقال: "أمامنا اليوم فرصة حقيقية بحكم تحولات عالمية لا فضل لنا في
حدوثها، وعلينا أن نغتنم الفرصة لنقوم بالخيار الصحيح ونعتمد على ريادة
الأعمال كأساس للتنمية وعماد لامتلاك المستقبل".
الحركة الوطنية في سورية والريادة
كانت الحركة الوطنية في سورية إبان الانتداب الفرنسي وفترة بعد الاستقلال،
تستمدُّ مصادر تمويلها من تبرعات الأعضاء في الكتلة الوطنية ومن الاشتراك
الشهري، لكن تلك التبرعات لم تكن منتظمة، فاحتاجت الحركة إلى مصادر تمويل
ثابتة، خاصة أنَّ الفترة التي أعقبت الثورة السورية الكبرى 1925– 1927
شهدت أزمة اقتصادية حادة".
الدكتور سامي مبيض، الباحث في تاريخ سورية الحديث، قال: "طبيعة تلك
المرحلة فرضت الحاجة إلى أفكار يمكن تسميتها بالريادية في مفهومنا الحالي،
وظهرت، كما هي سورية على الدوام، نماذج كثيرة من رواد الأعمال السوريين في
كلِّ الأزمنة وفي كلِّ المدن. ومنهم فخري البارودي، رائد الحركة الوطنية".
وبحسب الدكتور مبيض فقد: "قاد البارودي مشاريع ريادية في الاقتصاد السوري
في بداية الثلاثينات، أولها مشروع "صنع في سورية" الهادف إلى تحفيز
السوريين على شراء منتجاتهم الوطنية بما يعزِّز الاقتصاد ويطوِّر الصناعة.
كما أطلق البارودي "الحملة الوطنية لمكافحة التقليد"، حيث آمن بأنَّ الشعب
السوري خلاق ومبدع ولا يجب أن يقلِّد الآخرين".
وتحدَّث مبيض عن مشروع "الفرنك" الذي أطلقه البارودي عام 1934، حيث دعا
سكان مدينتي دمشق وحلب البالغ عددهم آنذاك نحو 400 ألف شخص، إلى التبرُّع
بمبلغ فرنك واحد "خمسة قروش". كما تحدَّث عن إقامة البارودي لمشروع "مكتب
البارودي للدعاية والنشر"، والذي يمكن اعتباره أول مكتب للدراسات في الوطن
العربي.
وتابع البارودي نشاطاته الاقتصادية الريادية من خلال تأسيس شركة الإسمنت
برأسمال 144 ألف ليرة ذهب، وهدفت الشركة إلى التوجُّه بسورية نحو البناء
الإسمنتي عوضاً عن البناء الطيني وغيره، وكانت الشركة تغطِّي نحو 60% من
احتياجات سورية من الإسمنت في ذلك الوقت.
وبمشاركة البارودي تأسَّست شركة الكونسروة الوطنية برأسمال قدره 150 ألف ليرة ذهب، موزَّعة على ثلاثين ألف مكتتب سوري.
وبحسب الدكتور مبيض، فقد أدَّى هذان المشروعان إلى "ثورة صناعية في سورية في بداية الأربعينات".
بعد الاستقلال
بعد الاستقلال استمرَّت الحركة في إطلاق مشاريع اقتصادية ريادية، واستخدمت
الأموال التي تحصَّلت منها في دعم قطاعات الصحة والتعليم وغيرها، كزيادة
عدد المدارس المفتتحة في دمشق، وإقامة دورات محو أمية، إضافة إلى إنشاء
مدارس في الريف للأطفال.
كما استُخدِم جزءٌ من عائدات تلك المشاريع لتمويل الحركة الوطنية، مثل
تمويل جريدة "اليوم" أو "الأيام" الناطقة باسم الحركة الوطنية، وكان لهذه
الجريدة اسمان هما "اليوم" و"الأيام"، وكلما أغلقتها سلطات الاحتلال
الفرنسية لجأت الحركة الوطنية إلى إصدارها تحت الاسم الآخر.
وأشار مبيض إلى إطلاق البارودي "أسبوع التسلح" الذي تمكَّن من جمع نحو 25
مليون ليرة سورية، وهو مبلغ ضخم جداً في ذلك الوقت، وكان أول المتبرعين
أهالي غزة.
واختتم مبيض محاضرته بأنَّ "الزعيم الوطني الكبير فخري البارودي مات
فقيراً.. ولم يتمكَّن من سداد نفقات مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت
حيث أمضى آخر أيامه".
ولد فخري البارودي في دمشق عام 1889،
وتوفِّي عام 1966، كان نائباً في البرلمان، رفض الوزارة عدة مرات، و هو
أديب ومناضل وشاعر وصاحب نشيد: بلاد العرب أوطاني.. من الشام لتطوان
المصدر: جريدة بلدنا